ذ/ محمدحداش محامي بهيئة القنيطرة
توضيح أسباب إضراب المحامين ودوافعه دفاعًا عن حقوق المواطنين
أعلنت جمعيات هيئات المحامين في المغرب عن إضراب شامل ابتداءً من فاتح نونبر 2024، كخطوة نضالية تصعيدية بعد ان اقرت منذ شهر يوليوز حزمة من الخطوات النضالية تهدف إلى حماية حقوق المواطنين وضمان الأمن القضائي.
يأتي هذا القرار للتنديد بالانتكاسة التشريعية لمشروع قانون المسطرة المدنية الجديد، الذي يحمل في طياته مجموعة من التعديلات التي تهدد مباشرة حقوق المتقاضين وتخل بمبدأ تكافؤ الفرص، بل وتضعف الأمن القضائي برمته.
لا يتعلق الإضراب بمصالح المحامين فحسب، بل هو في جوهره دفاع عن المجتمع، وعن حقوق كل مواطن في الوصول إلى عدالة متكافئة ومستقرة.
النقاط الأساسية التي تثير القلق
•• عدم المساواة في آجال الطعن: يمنح مشروع القانون النيابة العامة حق الطعن في أي قرار قضائي دون تحديد آجال زمنية، حتى وإن مرت عليه عقود طويلة. في المقابل، يُلزم المواطنون بآجال قصيرة للطعن، مما يخلق انعدام التوازن ويهدد استقرار المعاملات، ويزرع الشك في أمان القضايا التي تعتبر منتهية. فكيف يمكن للمواطن أن يشعر بالأمان القانوني إذا كانت أحكامه مهددة بإلغاء محتمل بعد سنوات؟
•• حرمان المواطنين من الطعن في القضايا ذات القيمة المنخفضة: ينص المشروع على عدم السماح باستئناف الأحكام في القضايا التي تقل قيمتها عن 30,000 درهم، مما يجعل بعض المواطنين محرومين من حق التقاضي الكامل على درجتين، في الوقت الذي يمكن للأفراد ذوي النزاعات ذات القيمة الأعلى استئناف الأحكام. هذا التمييز لا يخدم العدالة، بل يعزز الفوارق بين الطبقات الاجتماعية ويضر بالفئات الأكثر هشاشة، الذين لا تقل قضاياهم أهمية عن قضايا ذوي الإمكانيات.
•• الحد من إمكانية الطعن بالنقض: يحد المشروع من حق الطعن بالنقض في القضايا التي تقل قيمتها عن 80,000 درهم، ما يحرم المواطن العادي من الوصول إلى الدرجة النهائية من التقاضي. في المقابل، يظل هذا الحق متاحًا للفئات الميسورة التي تتجاوز نزاعاتها هذا الحد المالي. إن هذا الإجراء لا يخدم مبدأ المساواة بين المواطنين، بل يعمق فجوة الاستفادة من العدالة.
•• فرض غرامات على بعض الإجراءات القانونية: يُلزم المشروع المواطنين بدفع غرامات قد تصل إلى 10,000 درهم في حالات معينة، مثل رفض قبول طلبات التجريح أو المخاصمة ضد القضاة. هذه الغرامات لا تتماشى مع مبدأ مجانية التقاضي، بل تثقل كاهل المواطن، خاصة أولئك الذين لا يملكون القدرة على تحمل هذه التكاليف.
•• اختلال التوازن بين الدولة والمواطن: يسمح المشروع للدولة بتنفيذ الأحكام فور صدورها في مرحلة الاستئناف، بينما يُجبر المواطن على الانتظار لسنوات طويلة حتى تتمكن محكمة النقض من إصدار حكمها لصالحه. هذا الخلل في التنفيذ يضرب مبدأ المساواة أمام القانون ويعزز الفجوة بين السلطة العامة وحقوق المواطنين.
تأثير المشروع على المحامين ودورهم في الدفاع عن حقوق المواطنين
إن هذا المشروع لا يقتصر تأثيره على المواطنين فقط، بل يمس أيضًا الدور الأساسي الذي يلعبه المحامون في حماية حقوق المواطنين والدفاع عن مبدأ العدالة والمساواة.
يرى المحامون أن مشروع القانون هذا يحول بينهم وبين أداء دورهم في المجتمع كحماة للعدالة ومدافعين عن الضعفاء.
الإضراب الذي أقرته هيئات المحامين يعبر عن إرادة قوية لعدم السماح بتمرير أي تعديلات قانونية قد تؤثر سلبًا على حقوق المواطن أو تضعف العدالة.
رسالة إلى المواطنين
إن هذا الإضراب لا يعكس مصالح مهنية ضيقة، بل هو خطوة تأتي في إطار نضالات المحامين في المغرب دفاعًا عن حقوق المواطنين وعن المبادئ التي تضمن لهم عدالة نزيهة ومستقلة. على المواطنين أن يدركوا أن المحامين ليسوا في معركة شخصية، بل هم يقفون إلى جانب كل فرد من أفراد المجتمع، ضد أي تشريعات قد تضر بمستقبل العدالة وتهدد استقرار الحقوق المكتسبة. إن واجبنا كمحامين، وباسم قيم العدالة، أن نقف في وجه كل تشريع من شأنه أن ينتهك حقوق المواطنين، ونطالبكم بتفهم خطورة الموقف والوقوف معنا من أجل حماية مصالحكم وحقوقكم.