لطيفة لبريز
دافع وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، عن عدم إلزامية توكيل محامي سواء من طرف المواطنين أو مؤسسات الدولة، خلال التقاضي أمام محاكم الدرجة الأولى، مشيرا في هذا الإطار، إلى أن وزارته تدرس إحداث “منصب محامي الدولة” للدفاع عن المؤسسات العمومية، على غرار بعض التجارب كإسبانيا ومصر.
وأضاف وهبي، خلال مناقشة مشروع قانون المسطرة المدنية بلجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، أن “هذا النقاش قد فتحناه مع جمعية المحامين، ولم نصل إلى حل، ولن نصل إليه، وسيتسبب في إضراب المحامين، لكن يجب أن أتخذ القرار”، موضحا أن حصر الترافع أمام المحاكم في المحامين فقط يعتبر نوعا من “الاحتكار”.
واستغرب وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، الاعتراض على إحالة مشروع قانون المسطرة المدنية على مجلس المنافسة، وهو مؤسسة دستورية، لتقديم استشارته، وقال إن هذا الاعتراض جاء انطلاقا من قناعات شخصية أو مهنية، بعيدة عن روح الدستور وفلسفته القائمة على تشجيع الممارسات الدستورية، التي من شأنها تعزيز قيم الحكامة والانصاف، وتقوية دور المؤسسات في ممارسة أدوارها الدستورية.
وأوضح وهبي، أن الاعتراض على إحالة مشروع قانون المسطرة المدنية بدعوى عدم اختصاص مجلس المنافسة، لتقديم الاستشارات بخصوص المهن القانونية الحرة، ومنها مهنة المحاماة، وحصر مجال اختصاصه في حالة التركيز الاقتصادي وحرية الأسعار، يتعارض بشكل صريح مع ما نصت عليه مقتضيات المادة الثانية من القانون رقم 13-20، المتعلق بمجلس المنافسة، التي خولت بوضوح تام، للمجلس صلاحيات استشارية هامة إلى جانب سلطته التقريرية في ميدان محاربة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة ومراقبة عمليات التركيز الاقتصادي.
وأشار وهبي إلى أن مجلس المنافسة قد أكد على هذا الاختصاص بشكل صريح في عدد من قراراته وآرائه، ومنها ما جاء في حيثيات رأيه الصادر عنه تحت عدد ر/3/2019 وتاريخ 26 دجنبر 2019، حول مشروع المرسوم رقم 2.17.481 المتعلق بتحديد مبلغ أتعاب الموثقين وطريقة استيفائها، وذلك وفقا لما جاءت به المادة الأولى من القانون رقـم 32.09 المتعلـق بتنظيـم مهنـة التوثيـق، والتي تنص على أن “التوثيـق مهنـة حـرة تمـارس وفـق الشـروط وحسـب الاختصاصات المقـررة فـي هـذا القانـون…”؟ مؤكدا على: “…خضوع مهنة التوثيق لمنطق السوق شـأنها فـي ذلـك شـأن باقـي الأنشطة الاقتصادية الأخرى، بـل وباقـي المهـن الحـرة المقننـة كالمحاميـن، والأطباء، والمهندسـين…”.
وفضلا عن ذلك، يضيف وهبي، فقد نصت المادة الخامسة، على أنه: “…يدلي المجلس برأيه بطلب من الحكومة في كل مسألة متعلق بالمنافسة…”. وقال إن هذه المادة لم تقيد اختصاص مجلس المنافسة في إبداء رأيه في نوع معين من المنافسة، معتبرا أن القول بعدم اختصاصه في إبداء رأيه حول المهن القانونية الحرة، يعتبر تقييدا غير مبرر من الناحية القانونية، فضلا عن كونه يتعارض مع الهدف من إحداث هذه المؤسسة الدستورية الذي يكمن في تنظيم المنافسة الحرة وضمان الشفافية، ومحاربة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة.
كما يتعارض أيضا، -يسترسل وزير العدل ضمن مقال رأي توصلت به جريدة “العمق”- مع ما استقر عليه عمل مجلس المنافسة نفسه. بل أكثر من ذلك، يمكن التساؤل، هل ممارسة مهنة المحاماة وغيرها من المهن القانونية الحرة تخلو من المنافسة؟
وأشار وهبي، إلى تنصيص المادة السابعة من نفس القانون، على أن المجلس يستشار وجوبا من طرف الحكومة في مشاريع النصوص التشريعية أو التنظيمية المتعلقة بإحداث نظام جديد أو بتغيير نظام قائم يهدف مباشرة إلى فرض قيود كمية على ممارسة مهنة أو الدخول إلى سوق، أو إقامة احتكارات أو حقوق استئثارية أو خاصة أخرى في التراب المغربي
ويرى وزير العدل، أن المهن القانونية الحرة، بما فيها مهنة المحاماة، تخضع في ممارسة أنشطتها لمنطق المنافسة الحرة والشريفة، الذي يتنافى ومنطق الاحتكار أو الاستئثار، مردفا “وهو ما يخول لمجلس المنافسة، الحق في إبداء آرائه الاستشارية بخصوص بعض المقتضيات القانونية المنظمة لممارسة هذه المهن، وفقا للمساطر القانونية الجاري بها العمل”.
وخلص وزير العدل، إلى أن مبادرة الإحالة على مجلس المنافسة، من أي جهة مختصة قانونيا، تبقى من الممارسات الدستورية التي لا تحتاج إلى النقد بقدر ما تحتاج إلى التثمين، لا سيما أن تقوية دور المؤسسات الدستورية، لا يمكن أن يكون إلا في مصلحة الوطن والمواطن وعموم المرتفقين، مضيفا ” وهو نفس الأمر الذي ينطبق على أهمية تعزيز دور المحكمة الدستورية في مراقبة القوانين العادية أيضا، وذلك من أجل تكريس الرقابة الدستورية على القوانين التي تثير نقاشا مجتمعيا”.
هذا، وأثير هذا النقاش، خلال مناقشة المادة 76 من مشروع قانون المسطرة المدنية، حيث تنص على أنه “تقدم الدعوى أمام محاكم الدرجة الأولى، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، بمقال مكتوب يودع بكتابة ضبط المحكمة، ويكون مؤرخا وموقعا من قبل المدعي أو وكيلهم أو محاميه”.
ورفض وزير العدل إلزام مؤسسات الدولة بتوكيل محام للدفاع عنها أمام المحاكم، موضحا أنه اقترح إحداث منصب “محامي الدولة” الذي سيكون مسجلًا في هيئة المحامين، ولكنه يعمل في المؤسسات العمومية ويخضع للنقيب على مستوى الأخلاق المهنية.
وأشار وهبي إلى أن بعض الإدارات العمومية في المغرب لم تستوعب بعد ضرورة أن يكون لديها محامٍ للدفاع عن مصالحها، موضحًا أن “وجود محامي الدولة سيجعل هذا المحامي مخاطبًا لمحامي المدعي، وسيضفي الشرعية على المحامي الذي يعمل خارج الإدارة”.
وأبرز وهبي أنه تفاجأ بتقديم جمعية هيئات المحامين لتعديل ينص على أن يكون المحامي بشكل إلزامي في جميع المساطر الكتابية، مضيفا أن هناك مساطر يستطيع أن يقوم بها المواطن أو الإدارة دون الحاجة إلى محامي