ثقافة وفن

الملتقى الأول للكُـتاب والمبدعين

الجهة تيفي ــ سعاد الخملشي

( تقرير من كتابة الملتقى)

طيلة أيام الجمعة والسبت والأحد 27 و28 و29 شتنبر 2024، التأم بمدينة مراكش التاريخية والحضارية، التقى مناضلون بفيدرالية اليسار الديمقراطي في ملتقى للكتاب والمبدعين تحت شعار: نحو رؤية متجددة لعلاقة الثقافي بالسياسي.

افتتح المكتب السياسي الملتقى بكلمة أمينه العام، عبد السلام العزيز، ركز فيها على دور الثقافة والمثقفين في النضال من أجل الديمقراطية، وفي ترسيخ قيم الحرية والعدالة، دأب المثقفين المغاربة؛ ومن بينهم الأستاذان الفقيدان عبد العزيز النويضي والمختار بنعبد اللاوي اللذين خصهما الملتقى بفقرة تكريمية ذكرت بخصالهما الإنسانية والنضالية وبحركيتهما الدؤوبة في سبيل النضال الديمقراطي بالإنتاج الثقافي وبتقوية أداء المجتمع المدني ودور الفيدرالية في مشروعها التقدمي.

وانطلقت المائدة الفكرية، صباح السبت، بحسرة وكمد باديين في النظرات الواجمة وفي اضطرابات الأصوات وبُحتها في تعابير الترحم على أرواح شهداء جريمة الاغتيال التي أودت بقادة المقاومة اللبنانية وأمينها العام السيد حسن نصر الله، ضمن حرب الإبادة الوحشية الصهيونية والإمبريالية لإشاعة ثقافة الاستسلام والتبعية لمشروع الهيمنة الجديد؛ بإعادة تقسيم المناطق وتفتيت الأوطان.

وبنفس مقاوم لليأس وعزيمة مناضلة من أجل التغيير، وبرؤية مستقبلية للصراع من أجل الوجود، عقل الملتقون الألم، وسخروا إمكاناتهم في التحليل لتفكيك علاقات الثقافة بالسياسة واستخلاص جوانب الوصل والتشارك لصياغة مشروع يجدد الالتزام بقضايا الإنسان والوطن.

وبمقاربات متنوعة فلسفية وسوسيولوجية وفكرية قانونية، تناولت المداخلات والمناقشة والتعقيبات أوجه التجاذب والتلاقي في الحالة المغربية، ملتفتة إلى مختلف التجارب العالمية والممارسات المحلية، مستخلصة دور الثقافة الفاعل في نشر الوعي وفضح التسلط وكشف الاغتراب، ودور المثقف والسياسي الملتزمين في ترسيخ قيم الحرية والإبداع، وفي الدفاع عنها لحصر مساحات الاستبداد وتحقيق الخير العام في إطار الدولة المدنية العادلة.

واصلت مائدة المساء رصد الجوانب الانثروبولوجية والتربوية للثقافة، وتحليل أبعادها وعلاقاتها بخدمة السلطة عبر تبخيس الثقافة وتشييئها لتجهيل المجتمع ولإخضاعه عبر التعليم والإعلام لتنشئة الأفراد على سلوكات التفاهة والخنوع، ثم صناعة مثقفين مؤيدين بإبعاد الجامعة عن أدوارها المعرفية والعلمية وفرض مشاريع بوحدات تقلص إمكانات البحث الذي تحولت بنياته إلى بنيات إدارية تتحدد اهتماماتها خارج الجامعة.

وانتقلت مائدة المساء في جولة ثانية لتقييم السياسة العمومية في مجال الثقافة؛ ببحث الممارسة الثقافية للدولة التي توظف الثقافة واجهة من واجهات تعزيز النظام السياسي وتثبيت التركيبة الاجتماعية القائمة.

وانطلقت محاولات التقييم من المؤشرات الدالة المعتمدة في السياسة الثقافية: ميزانية الوزارة، التشريعات والقوانين، المراكز والمؤسسات والمعاهد والمسارح وأروقة الفنون والتكوين، الكتابة والنشر، القراءة العمومية وأنشطة القرب، وضعية المشتغلين وحقوق المؤلفين. وتناولت المؤسسات المكلفة بالإنجاز: الدولة والمؤسسات التابعة: الوزارة، الهيآت الوطنية، الجماعات الترابية…

ولم يكن في جهد مائدة محدودة في مدة التحضير والبحث أن تقدم تقييما علميا لكل جوانب السياسة الثقافية، بمقارنة كل الأهداف وكل الحصيلة ثم اقتراح البدائل، لذلك انتبه النقاش إلى أهمية الدراسات البحثية، كما سيرد في المقترحات.

وقد تظافرت المقاربات الفكرية ومعطيات المشتغلين بالحقل الثقافي في رصد علاقات الثقافي والسياسي وفي تعرية مظاهر الابتذال التي ترسخها السياسة الثقافية، وفي تحليل مؤشرات التأثير على مقومات التماسك الاجتماعي وعلى قيم الحرية والجمال، وسجلت المداخلات والنقاش التحليلي التفاعلي، استنتاجات أبرزها:

– الثقافة قطاع نتعامل معه ولا نعرفه؛ غير مهيكل في كثير من جوانبه. وتكشف هزالة الميزانية المخصصة عدم عناية الدولة، لأنها تستند إلى ثقافة تقليدية محافظة منتشرة في أوساط المجتمع ومدعمة بطرق مختلفة.

– تشتغل الدولة في المغرب بنمط الراعي، فكانت السياسة الثقافية سياسة تضبيع، ويمثل فيها الريع ألية من آليات ضبط المجتمع: تمرير صفقات عمومية، إسناد مناصب ريعية، دعم جمعيات مؤيدة…

– تروم الاستراتيجية الثقافية الرسمية منع الناس من المشاركة في صنع قرارات تهم حياتهم ومستقبل الأجيال اللاحقة.

– تعمل البرامج التعليمية والإعلامية بإثارة العاطفة وتغييب قيم العلم والعقل.

– تتعرض أشكال الثقافة الشعبية إلى التمييع والإهمال.

– للمعاهد الثقافية الأجنبية (الفرنسة والإسبانية والألمانية والإيطالية بالخصوص) تأثير بارز ودور منافس بإمكانات وافرة.

– وتتسع محاصرة الفن وقمع الإبداع عبر قوانين مقيدة لحرية التعبير (مثال: قانون 18- 23).

مقترحات وتوصيات: زخرت كل من جلستي الصباح والمساء ليوم السبت بمقترحات وتوصيات تجيب عن سؤال: كيف يمكن مجابهة التدمير الثقافي وإشاعة ثقافة التحرر والتنوير؟

– المطالبة ب: تغيير المناهج والبرامج، كي يستند التعليم والإعلام على قيم العلم والعمل، الزيادة في ميزانية الثقافة لدعم مشاريع ثقافية وفنية غايتها تنمية الذوق العام لإشباع المجتمع بقيم الخير والجمال، تبني استراتيجية لجعل الفن في الحياة اليومية للناس وتهييئ الفضاءات لتصير محبوبة للعيش، الانتقال إلى سياسية مأسسة ثقافية لحفط منتوجنا الفني ولحمايته من الاندثار.

– وعلى المستوى الذاتي: تغيير النظرة إلى التراث الشعبي والاهتمام بالتنوع الثقافي المشكل للهوية الوطنية، مواكبة التحولات العالمية وما تنتج من تصورات جديدة لمفهومي الثقافة والسياسة ولدور الدولة في المستقبل. تجديد الرؤية لعلاقة السياسي بالثقافي وتجاوز الحنين إلى الماضي النضالي، عبر تجديد في الخطط وفي أساليب العمل بما يواكب التحولات الثقافية في المجتمع وبما تستدعيه من تغيير في وسائط التواصل والنشر التي تسخر كثير إمكانات الذكاء الاصطناعي، الاستفادة من مساحات إعلامية تنفلت من الضبط والإخضاع، وتحديد الفئات المستهدفة لصياغة خطاب ملائم ودعم مشاريع في خدمة التنوير طلبا للتأثير، فتح مختبر أبحاث ودراسات للاشتغال بمعايير علمية واستنادا إلى مناهج في التحليل وفي التقييم لتكون الأحكام أكثر موضوعية، وللتمكن من طرح بدائل مناسبة.

– ولتحقيق تفاعل أكبر بين المثقفين والسياسة، وفعالية أكبر في نشر ثقافة الحرية والتنوير تنظيم ملتقى وطني للكتاب والمبدعين بإشراك مختلف المثقفين التنويريين، واعتبار الملتقى الأول لجنة تحضيرية، رسمت معالم في خطة عمل والتحضير للقاءات جهوية للكتاب والمبدعين والإسراع في إخراج مجلة “الطريق”، وإدراج أشغال ملتقى الكتاب والمبدعين في عددها الأول.

– واستحضارا لخطورة النهج الأمني على الحرية وعلى التعبير، دعا الملتقى إلى تأسيس جبهة وطنية للدفاع على الحريات، بدعوة مختلف الإطارات والجمعيات الديمقراطية ومختلف المثففين المؤمنين بقيم حقوق الإنسان.

لجنة للمتابعة: صادق الملتقى على لجنة قاربت النوع في تشكيلتها، مهمتها متابعة تنفيذ المقترحات والتوصيات.

ختامه موسيقى وقصيد: على إيقاعات لوتار صدح الجمع ليلة السبت الأحد بغناء مختارات تعانقتت فيها الأمازيغية والعربية، واستمتع بلقطات زجلية وممسرحة، منتبها إلى صور شعرية في قصائد تنوعت فيها أجيال وتجارب مثلت قيم الحب والتسامح والمقاومة والحرية.

ولجدية مشروع الفيدرالية، في المجال الثقافي، التزم المكتب السياسي بتخصيص نسبة عشرة في المائة للمبادرات الثقافية، فضلا عما ستخصصه الفروع وما سيساهم به المتعاطفون مع مشروع الفيدرالية، وأعلن اجتماع جامعيي الفيدرالية صباح الأحد 29 شتنبر 2024 لتدارس مشروع الجامعات الشعبية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى