الشرقي ليريز
يصادف الــ 19 غشت من كل سنة ذكرى استشهاد المناضل عبد الحق شباضة بمعتقل العلو، بعد ان أعلن الشهيد إلى جانب رفاقه الدخول في إضراب لا محدود عن الطعام انطلاقا من يوم 17 يونيو 1989، عانوا خلاله التهميش والإهمال، وغياب التطبيب والإسعافات اللازمة، وكذا المنع المستمر للعائلات من زيارتهم. حيث استشهد في نفس السنة، ليعلن ميلاده الجديد، ملتحقا بقافلة شهداء الشعب المغربي.
ولد الشهيد عبد الحق شباضة بدرب الحرية بالحي الحسني بمدينة الدار البيضاء سنة 1961 في أسرة فقيرة، وتابع دروسه الابتدائية بمدرسة “ابن حمديس” ثم الإعدادية، بإعدادية “درب الجديد” ليلتحق بعد ذلك بثانوية ” ابن الهيتم” بنفس المدينة.
وخلال هذه المرحلة كان المغرب يشهد موجة قمع كبيرة، استهدفت كل معارضي نظام الحسن الثاني دون استثناء، حيث فتحت السجون والمعتقلات السرية أبوابها لكل المعارضين، وبخاصة اليساريين الجذريين الذين ينتمون إلى المنظمات الماركسية اللينينية.
وخلال الموسم الدراسي 1979/1980 سيحصل الشهيد عبد الحق شباضة على شهادة الباكالوريا، لينتقل إلى مدينة الرباط لمتابعة دراسته الجامعية، فكان اختياره على شعبة الأدب العربي بكلية الآداب بالرباط، وهناك ستبدأ مرحلة جديدة من حياة الشاب عبد الحق القادم من مدينة الدار البيضاء، حيث سينخرط في معارك الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بقيادة فصيل الطلبة القاعديين ذو التوجه الماركسي اللينيني، وسيتحمل مجموعة من المسؤوليات التنظيمية داخل هذا الفصيل، مما سيجعله على قائمة المطلوبين لدى الأجهزة الأمنية.
بدأت مسيرة الشهيد مع النضال منذ سن مبكرة، وهو لا يزال تلميذا، إذ سيشارك في التظاهرات الرافضة لقدوم شاه إيران إلى المغرب سنة 1979، كما شارك في مختلف الإضرابات التي شهدتها الثانوية التي يدرس بها، وأيضا في الإضراب العام ليوم 20 يونيو 1981 الذي دعت إليها الكونفدرالية الديموقراطية للشغل، وعرف قمعا شرسا وخلف مئات الشهداء والمعتقلين، فكان شاهدا على المجازر التي ارتكبت في حق الجماهير الشعبية بمدينة الدار البيضاء.
ثلاث سنوات بعد أحداث الدار البيضاء، ستندلع انتفاضة جديدة في 19 يناير 1984، وأطلق شرارتها الطلبة والتلاميذ، قبل أن تنضم إليهم الجماهير الشعبية المكتوية بنار غلاء الأسعار والبطالة وتدهور الأوضاع المعيشة نتيجة شروع المغرب في تطبيق سياسة التقويم الهيكلي بإيعاز من المؤسسات المالية الدولية، وعمت هذه الانتفاضة بالخصوص مدن الناظور ومراكش والحسيمة والقصر الكبير وبعض المدن الصغرى، وخلف تدخل قوات الجيش والدرك الملكي لإخمادها عشرات الشهداء والمعتقلين.
في غمرة هذه الأحداث أصبحت الأجهزة الأمنية تطارد الشهيد عبد الحق شباضة ومجموعة من رفاقه، خاصة بعد صدور مذكرة بحث وطنية في حقه على خلفية انتفاضة يناير 1984، وسيتعرض للطرد من كلية الآداب بناء على قرار من مجلسها.
لكن هذا الطرد لم يثن عبد الحق عن مواصلة مهامه إلى جانب رفاقه ورفيقاته في قيادة المعارك الطلابية التي كانت تتفجر بين الفينة والأخرى، وتتفاعل مع ما كان يعرفه المغرب من أحداث سياسية واجتماعية، عملا بشعار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ” لكل معركة جماهيرية صداها في الجامعة “.
لقد كان استهداف الطلبة القاعديين بشكل مباشر خلال وبعد هذه الانتفاضة، وبالخصوص المسؤولين القياديين والمناضلين الميدانيين الذين تعرضوا للاعتقال والمتابعات، حيث أسفرت في النهاية عن صدور أحكام قاسية في حقهم (مجموعة مراكش 1984).
عاد عبد الحق شباضة إلى مدينة الدار البيضاء سنة 1987، ليجد واقعا قاسيا في انتظاره، فاشتغل في موانئ الدار البيضاء لمساعدة والدته ” أمي رقية ” على تحمل تكاليف الحياة وظروفها الصعبة، وهو يشعر بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه، وكان يتقن صناعة أقفاص الطيور وبيعها.
بعد أزيد من أربع سنوات من التخفي، وتجنب السقوط في يد البوليس والافلات من الملاحقات اليومية، وتفادي عبد الحق الاعتقال بتمرسه وتواجده اليومي وسط الجماهير ومهاراته في التحرك والمناورة، سيعتقل في 18 أكتوبر 1988 بأحد موانئ الدار البيضاء، وهو يحاول الهجرة على متن باخرة متجهة إلى فرنسا.
تعرض عبد الحق شباضة إلى شتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي القاسية، بمخافر الشرطة أثناء التحقيق معه، حسب ما حكى لرفاقه في الزنزانة التي تقاسمها معهم، حيث سيستمر مسلسل التعذيب حتى بعد الحكم عليه بسنة سجنا نافذا، وإيداعه سجن لعلو بمدينة الرباط.
عن ظروف اعتقاله كما حكت لنا امي رقية:
جاء البوليس إلى المنزل، وعندما خرج البوليس دخل ابني مع رفاقه وتناولوا الغذاء، أخبرت ابني عبد الحق بأن البوليس زارنا في المنزل، لبس حذاءه هو ورفاقه وخرجوا …
أسبوعا بعد ذلك، أتوا به إلى المنزل مكبل اليدين، سألني البوليس عن قرابتي به قلت إنه ابني عبد الحق. قال لي البوليس لقد وجدناه يستعد للهجرة السرية نحو فرنسا….